متى تعلن الدولة إفلاسها وهل يمكن الحجز على أموال المودعين كأحد تداعياته؟

تواجه الكثير من الدول حاليًا خطر الإفلاس جراء الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم بشكل غير مسبوق، والتي خلفت دينًا عالميًا قُدر بنحو 300 تريليون دولار بنهاية 2022، في أعقاب جائحة أنهكت الاقتصاد العالمي، لتأتي الحرب الروسية الأوكرانية وتضع لمسات لا تُنسى، ما جعل الكثير من بلدان العالم تدخل نفقا مظلمًا، بعضها بدأ محاولات الخروج منه، بينما مازال البعض الآخر يعانى داخل ظلام ذلك النفق ولم يرى أى بوادر للنور حتى الآن.

بداية وقبل أن نتحدث عن دواعي الإفلاس وتداعياته، دعنا عزيزي القارئ نتعرف أولًا على معنى الإفلاس ومتى يمككنا القول أن دولة معينة أفلست أو على حافة الإفلاس.

إقرأ أيضًا

         لا تخدعك شهادات الادخار.. ماذا يعني رفع الفائدة وكيف سيؤثر عليك؟

         ماذا يعني التضخم وما علاقته بارتفاع الأسعار؟

        لتجنب توابع أزمة الإفلاس.. أفضل آليات الاستثمار في العملات الرقمية وأكثرها أمانًا

ماذا يعنى إفلاس الدول ؟

عمليًا تتحقق عملية الإفلاس عندما تصبح الدولة غير قادرة على سداد أقساط قروضها وديونها للدول أو للمؤسسات الدولية في مواعيد استحقاها، ولكن ليس هذا السبب الوحيد وإنما هناك عدة أزمات إذا اجتمعت سويًا أصبحت هذه الدولة على وشك الإفلاس، وهي بالإضافة إلى ما سبق، عجز دولة ما عن سداد قيمة وارداتها من السلع والخدمات وفقد السيطرة على عملتها المحلية، فضلًا على فقدان احتياطاتها الأجنبية، وفي هذه الحالة إما تعلن الدولة إفلاسها بشكل رسمى أو تكتفي بجعل الأمر طي الكتمان ولكنه يكون واضحًا في الأوساط الاقتصادية والمؤسسات الدولية وملموسًا لدى المواطن.

 

ما هي علامات إفلاس الدول ؟

إفلاس الدول لا يحدث بين عشية وضحاها وإنما له الكثير من العلامات التي عادة ما تكون إجراءات متخبطة تسارع الدولة باتخاذها بشكل متتالي، وعند تحققها نستطيع أن نعتبر هذه الدولة في المنعطف الأخير قبل الإفلاس.

- خفض معدلات الاستيراد بشكل كبير.

- رفع التعريفة الجمركية على الكثير من السلع المستوردة.

- تزايد وتيرة ارتفاع الأسعار بصورة لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن.

- فرض المزيد من الضرائب.

- تطبيق سياسات تقشفية بهدف سداد الديون.

 - زيادة أسعار الكهرباء والطاقة بشكل مبالغ فيه.

 

ما يحدث عند إعلان الدولة افلاسها؟

على الرغم من تكرار أزمة الإفلاس في العديد من الدول إلا أنه لا يوجد حتى الآن قانون محدد أو محكمة دولية تنظم المنازعات بين الدائن والمدين في حالات إفلاس الدول ، وهو ما يجعل الأمر أكثر سوءًا.

فحالات إفلاس الدول تختلف عن إفلاس الأفراد والشركات فمن المعروف أنه عند إفلاس فرد أو شركة يسارع الدائن بمصادرة أصول المدين والحصول على مستحقاته بموجب قوانين تضمن ذلك، لكن في حالات إفلاس الدول فالأمر مختلف، حيث لا يمكن إجبار الدولة على بيع أصولها لسداد الديون، وفي هذه الحالة يكون الحل الوحيد أمام الطرفين هو التفاوض من أجل جدولة الديون أو التخلي عن بعضها.

على صعيد أخر تعاني الدولة المفلسة من سمعة سيئة تلازمها لعقود، وتواجه شحًا كبيرًا في تدفق الاستثمارات وتخارج لا محددود لرؤؤس الأموال.

 

ما هو تأثير إفلاس الدول على المواطن ؟

هناك الكثير من التداعيات التي يخلفها إفلاس الدولة على وضعها الداخلي وحياة مواطنيها، ومن أهمها ما يلي:

- عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها ودفع رواتب الموظفين.

- عدم القدرة على دفع تكاليف الاستيراد من دول أخرى.

- انخفاض دخل المواطن بشكل كبير.

- ارتفاع كبير في معدلات البطالة

- قد تواجه الدولة أحيانًا خطر المجاعات.

- إفلاس الأفراد والشركات.

- زيادة الاسعار وارتفاع معدلات التضخم.

- ضعف الاستثمارات وتخارج رؤؤس الأموال.

 

ما هي تدعيات الإفلاس على الدولة خارجيَا؟

تواجة الدولة على الصعيد الخارجي أيضَا العديد من الأزمات كنوع من العقاب على تخلفها عن سددا ديونها، وتتمثل أهم هذه الأزمات فيما يلي:

- تفرض أسواق رأس المال الدولية معدلات اقتراض عقابية أو يتم رفض الإقراض مجددًا.

- تصدر وكالات التصنيف الائتماني تحذيرات بشأن الاستثمار في هذه الدولة.

- تتم تسوية الديون أو إعادة هيكلتها بين الحكومات المتعثرة والدائنين.

 

هل يمكن الحجز على أموال المودعين بالبنوك كأحد آثار الإفلاس؟

يعتبر هذا الأثر واحد من أهم الأثار السلبية للإفلاس وأكثرها قسوة، فبعد إعلان الدولة إفلاسها يسارع أصحاب الودائع والمدخرات بسحب أموالهم، نظرًا للهبوط المتوقع في قيمة العملة، فتضطر الدولة إلى فرض قيود على حركة رؤؤس الأموال ووقف عمليات السحب، وقد تلجأ إلى إغلاق البنوك مثلما حدث في لبنان، وذلك للحد من انهيار العملة وسداد بعض التزاماتها، أى أنه في نهاية المطاف تلجأ الدولة لاقتراض أموال المودعين ولكن دون موافقة من الدائن (المواطن) ولأجل سداد غير مسمى.

بالإضافة إلى ذلك يصبح البنك المركزى هو البنك المنوط بالتعامل مع المودعين والبنك الخاص بك هو مجرد وسيط لا أكثر، وعندما يعلن البنك المركزى إفلاسه، فبذلك لن يكون بمقدور المودعين الحصول على مداخراتهم.

 

هل حدث سيناريو الحجز على أموال المودعين من قبل؟

بالفعل حدث هذا السيناريو مؤخرًا في لبنان بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد اللبناني منذ عام 2019 ومازالت مستمرة حتى الآن، والتي على إثرها اضطر مصرف لبنان للحجز على أموال المودعين المقيمين وغير المقيمين في لبنان.

وفي ظلّ غياب الحلول والسياسات الواضحة للتعامل مع الأزمة

، سارع بعض المودعين إلى اقتحام المصارف والسطو عليها لاسترجاع ودائعهم، في حين لجأ آخرون إلى المحاكم في محاولة لاسترداد أموالهم.

 

أبرز حالات الإفلاس في العالم

واجهت الكثير من الدول خطر الإفلاس خلال العقدين الفائتين، ومن أبرز هذه الدول على سبيل المثال:

 - روسيا في عام 1998؛ حين عجزت البلاد عن سداد ديون قدرها 72 مليار دولار.

- الأرجنتين عام 2001، عندما كانت تعاني من ديون ضخمة، وأخبرت دائنيها بشكل رسمى أنها لن تستسطيع سداد الديون، واستدانت على إثر إعلان إفلاسها أكبر قرض في تاريخ صندوق النقد بقيمة 57.1 مليار دولار .

- أوروغواي عام 2003، حيث تخلفت الحكومة عن سداد ديون بقيمة 5.7 مليار دولار.

- الدومينيكان في عام 2005، حين تخلفت عن سداد ديون بقيمة 1.62 مليار دولار .

- الإكوادور عام 2008 حين تخلفت عن سداد التزامات ديون بقيمة 3.2 مليار دولار.

- اليونان عام 2010، حيث مرت بأزمة اقتصادية كادت تعصف باقتصادها، وهددت بتخارجها من الاتحاد الأوروبي، إلى أن قررت أوروبا مساعدتها بحزم تمويل استمرت حتى 2015 مقابل إصلاحات تقشفية مشددة.

 

هل يوجد إيجابيات لإعلان الإفلاس؟

 على الرغم من السلبيات المجحفة التي يخلفها إعلان إفلاس الدولة إلا أن هناك بعض الايجابيات التي تسعى إليها الدول من خلال عملية الإعلان عن إفلاسها ومن أهمها

تجنب خطابات طلب السداد والتهديدات القانونية من الدائنين، بالإضافة إلى حماية ممتلكات الدولة كاملة داخل وخارج البلاد.

 

هل يوجد حل لإفلاس الدولة؟

للأسف لا يوجد حلول جذرية لحل أزمات الإفلاس ولكن لابد من اتخاذ إجراءت مدروسة واتباع سياسات واضحة تعالج جذور الأزمة التي أدت إلى الإفلاس، ولكن تكمن المشكلة في أن هذا الأمر يستغرق سنوات للخروج منه ومعالجة آثاره، فتعيش على إثره أجيالًا بأكملها حياة مأسوية تستمر لعقود.